10 Apr 2013

بَعْث

أجدني فجأه منتصبة كرمح على رأس تل غير مألوف...سفح التل ضيق للغاية...يسع موطيء قدميّ الحافيتين بالكاد...الأفق ممتد وخال تحجب أغلبه الغيوم...السماء رمادية بلا شمس ولا قمر...الوقت منعدم تماما وكذلك الشعور...أرتدي فستان أبيض غير ناصع من الحرير المبطّن...الريح تعصف بطرف ثوبي ووشاحي الأبيض الملتف حول رقبتي...أبدو أكبر سنا...ملامحي أكثر حدّه...بشرتي أكثر سمره...عودي مشدود...جفني لا تطرفه الريح على شدتها وجسدي صامد لا يتزحزح من عصف الريح...كأنني تمثال منحوت من لحم ودم...الجبين مقطب والعقل لايدرك شيء أبعد مما تراه العينين: الغيوم الكثيفه

بعد عام -ويزيد- من فقدان القدره على رؤية الذات تتشكل أخيرا صورتي الذهنية الذاتيه الجديده...عام حتى يدركني عقلي في النهاية على هذه الهيئة وبهذا الحال...في هذه اللحظة بالتحديد أدرك أن ما أراه في مخيّلتي اليوم هو تلك السيدة الشابه الّتي كان ذهني يصورها ترفع طرف ثوبها لتعبر الطريق عندما كنت في أواخر العشرينات...اليوم أدرك أن عقلي استووعب في النهاية حقيقة أنني لم أعد طفله...لكرب ما بعد الصدمه بعض الفوائد: إعادة تشكيل الصورة الذهنية عن الذات :)

ثم مرة أخرى أجدني في قاع سهل صخريّ تحاوطه جبال عملاقه تفصلها ممرات ضيّقه...أدور حول نفسي فألمح بين الضباب الرمادي الكثيف ممر واضح بين جبلين فأمشي نحوه...لا شمس...لا قمر...بين الضباب أشق طريقي مشيا على صخر مدبب يلين تحت قدميّ فلا يجرحني...كلما غطى الضباب ذلك الممر بين الجبلين اتوقف...ثم أبدأ المشي بخطوات اسرع معتمدة على بوصلتي الداخلية...الزمن منعدم والطريق غير واضح...الجبين أكثر تقطيبا...والملامح أكثر حدّه...الخطوات شديدة الثبات...ومازال الشعور منعدم..السهل خاليا من كافة مظاهر الحياة إلا أنا...منفردة تماما أقطع الطريق بعزم واضح

مازلت وحدي...كعادتي منذ مقتبل العمر...لا أرتكن على شيء سوى صلابة روحي ومرونة ذهني...لا تسعني ذراعين عند البكاء ولا يوجد كتف أسند رأسي إليه عند التعب ولا ذراع اعتمده عندما يطول الطريق...بلا ملجأ ولا ملاذ يعرفه البشر...كنت دوما الكف والكتف والحضن الوسيع لكل أحد...ولكن يوما لم يكن لي أحد

قدر أتقبّله بغيّر اعتراض...فقط أدعو الرب أن يملأ معين الصبر فلا ينضب

No comments: