13 Nov 2012

اختر عنوانا مناسبا لهذ االنَصّْ

لا تصالح!
ولو منحوك الذهب..
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى

-أمل دنقل



بالأمس كانت هذه الأبيات مذهلة لبلاغتها...أما اليوم فقد أصبحت تثير الدهشة: كيف له أن يتصور أن فاقئي الأعين يثبتون جوهرتين مكان الأعين! يؤسفني أن أخبرك أنهم لا يثبتون مكانهما أية شيء...فالخرطوش يتحرك حتى يكتمل تكلّسه...عندها فقط يثبت وعادة لا يكون ذلك في الموضع الذي دخل منه...كم كنت متفائل يا أمل..أتدري يا عزيزي أن اسمك يبعث على الضحك: أمل! :D فلتعذرني معاليك فالمفارقة شديدة الوطأة...على كل حال لا أظن أنك ستكترث عندما تعلم أن قصيدتك هذه دخلت باب الكيتش من أوسع أبوابه...وربما أنت أيضا...عذرا...فكل القمم تدانت أمام الشعور بالفقد..صدقني (أو لا تصدقني فلن أكترث): أغلى ما نفقد هم الغرباء

لازلت أذكر قصيدة تبكي فيها المجندين الذين دُفع بهم للموت عبثا وقت النكسة...أتذكرها وأضحك...كم أنت بريء! فأنت لم تكن لتتخيل أن قصة فقء الأعين بدأت بجيشنا المغوار يقتحم الميدان ليفض اعتصام مصابي ثورة أطاحت بطاغية...ربما كنت ستنسحق من فرط الشعور بالعار لو علمت أن جيشنا الهمام سحل وعرى وقتل عزّل من سكان دولة معادية...عزيزي أمل: قد رأيت أنا جيشنا يفعل هذا بأهل بلده ومن نجى منهم فقأ جنود الداخلية البواسل أعينهم...أو فعلوا معهم الأسوأ على الإطلاق: تركوهم أحياء أصحاء الأبدان يتمنون لو أنهم نجوا من الحياة

عزيزي أمل...نحن لم نعد نشعر بأية أمل..ولم نعد نشعر باليأس أيضا...وأعتقد أن معظمنا تغلب بالفعل على الشعور بالعار من البقاء على قيد الحياة بالإضافة إلى مجموعه أخرى متشابكة من المشاعر السلبيه...نحن اليوم نقف على الحياد من كل شيء حتى نفوسنا ومايعتمل فيها...ومن آن لآخر نشعر بغضب عارم غير مبرر...نوبات تجيء وتروح...نعتذر بعدها بأدب جمّ عن فقداننا لأعصابنا بدون سبب ونعود للانتظار...يخبرنا الأطباء عن التروما واكتئاب مابعد الصدمه ومجموعة أخرى من المسميات التي لم تعد تعني لنا أية شيء...تفاصيل العالم والنفس البشرية والموت والفقد والحزن صاروا جميعا كيتش مستهلك يتغنى بهم من لا يفقهون لهم معنى

حدثتنا كثيرا يا عزيزي عن مرارة الغربة على أرض الوطن...ولكنك يارفيق البؤس فارقتنا في منتصف الطريق إلى النقطة اللتي ننحصر فيها الآن...نحمد الله أننا على قدر من الحكمة يجبرنا على التزام الصمت...ربما يمكننا أن نخبرك سرا عن قسوة طول لحظات الانتظار...انتظار ما لا نعلم...ولكننا نعلم أن تلك اللحظة حتما ستجيء..يوم سيركض العوام في الطرقات بغير هدف...وسنخرج نحن فرادى نمشي بينهم بثبات لنتجمع حيث افترقنا بغير اتفاق مسبق أو نية مبيته..الآن...نحن لا نعرف ما يجب فعله في تلك اللحظة...ولكننا نعلم يقينا أننا سنكمل ما بدأ ولم يتم

لن نأخذ بثأر من نراهم بين صفوفنا وقت الاشتباكات كأنهم لم يبرحوا أماكنهم للحظة...ولن نسترجع حقا لبلد لم تكترث لنا يوما...ولن نسعى خلف حق لن يجدينا نفعا...نحن فقط سنفعل ما سيتعين علينا فعله في تلك اللحظة مدفوعون بروح واجب انهاء فعل ما قد بدأ ولم يتم...لأن الأفعال لا تتحول من المضارع إلى الماضي إلا عندما تتم...وينبغي لها أن تتم حتي نستطيع أن نبكي شهدائنا ونربت على أكتاف مفقوئي الأعين


حتى الآن الفعل مازال مستمرا في أحلامنا...نراه كل ليلة...ولذلك فليس لدينا ذكرى نحييها فوق اسفلت شوارع لم يجف عليها الدم...وسندّعي الحياة بكافة تفاصيلها حتى يجيء الوقت الذي ننتظره ويتربص بنا دون أن نحيي ذكرى ماقتلنا إلا أنها حية لا تموت

عزيزي أمل دنقل: مادام الفعل لم يكتمل فلا مجال للحديث عن المصالحة...المسامحة...النسيان...ليس هناك مجال لشيء سوى الصمت والانتظار

1 comment:

m. fathei said...

في بعض الاحيان اجد ان اطلاق مسميات علي الاشياء تفقدها اهميتها او تقلل من شأنها لا تبحثي عن عنوان ابحثي عن نهايه او علي اقل تقدير دعينا ننتظرها عسي تأتي ونحن مازل لدينا مقدره علي اكمال ما بدئنا
دمتي بخير او في انتظاره