10 Apr 2018

هي...والثقب الأسود


في كل ليلة...عندما يظهر القمر تختلي بنفسها لتتفحّص قبحها مليّا أمام المرآة...فهي امرأة ترى نفسها بعيني من عيّروها في طفولتها بكلّ ما لا يروق لهم في خلقتها...خلفت المعيّرات ندوبا في صدرها...وتراصت...ندبة إلى جوار الندبة...تلاحمت...حتى صارت ثقب أسود في منتصف الصدر تماما...ثقب أسود يبتلع كل شعور آخر...وينفث غضب...فقط غضب

تلقي نظره أخيرة على بشرة وجهها الخمريّة وعينيها الناعستين فيتمدد الثقب الأسود ويضيق النفس...تصطنع ابتسامه...تلتقط لنفسها صورة "سيلفي" وتبثّها عبر حسابها الشخصي على فيس بوك بحثا عن الونس...تأتيها بعض الإطراءات تعليقا على الصورة...يخبرها الغضب القادم من الثقب الأسود أنها مجاملات...كذب...يذكرها بأنها قبيحة ذات أنف كبير وأسنان بارزة وشعر مجعد وجسد ذكوري لا يستحق الإطراء...تواري جسدها الوحيد تحت الأغطية الثقيلة لتختبيء من الكذب المطبوع أسفل صورتها...تتحدّر دمعتين على وجنتيها...فهم يعلمون أنّها قبيحة...تغلق عينيها طلبا للنوم أو الموت...فيتأخر الأول...ولا يأت الثاني

في تلك الليلة تحلم بإحدى رفيقات الخيبات العاطفية المتوالية...رأتها تبتسم...

خلال سنوات عمرها التي تجاوزت الثلاثين بقليل لم يخبرها أحد بأنها ليست قبيحة كما تظن...ولا أنها صالحة للصداقة ولا للحب...بينما يدفعها الثقب الأسود نحو كل علاقة تعامل فيها كممسحة أحذية...ولأنه يخبرها أن هذا ماتستحق فهي تستسلم تماما لاختياراتها السيئة بلا تردد...بلا ندم...فهي تعلم أن هذا هو ما تستحق

لم تعلم أبدا سر ابتسامة صديقتها بالرغم من قلة حظها في كل شيء...فهي غير مشهود لها بالجمال...ولم تحصل على أفضل درجات علمية...ولم تترق إلى مناصب عليا في مجال عملها...ولم تنجح في الحصول على زوج مناسب حتى الآن...ولكنها تبتسم...دوما تبتسم ابتسامة واثقة...غير عابئة بعثرات الحياة وخساراتها المتتالية...برغم قسوة الحياة...تبتسم...وكأنها لا تنزعج من الوحدة وتأخر الزواج...ربما هي تعلم سر ما عن مستقبلها...أو لديها يقين بأن هناك جائزة ما تنتظرها في النهاية

عندما تخبرها صديقتها أنها ستتزوج قريبا تشعر بالانتصار...فمصيرها يمكن أن يتغير هي الأخرى...فابتهجت

أخذت ترسم أحلاما وأمنيات عن ليلة زفافها حتى داهمها منتصف الليل وغلبها النعاس فنامت... أثناء النوم رأت صديقتها في ثوب الزفاف تبتسم...

استيقظت بطنين في رأسها...فالثقب الأسود لم يتوقف عن الكلام طوال الليل...يخبرها بأن صديقتها بائسة مثلها تماما...وأنه لا يحق لها تغيير مصيرها...فهي مثلها خلقت للتعاسة...والوحدة...وأن صديقتها يجب أن تكف عن الابتسام...فهي مثلها لا تستحق السعادة

مع آخر رشفة من فنجال قهوتها الصباحية تكتمل خطتها الجهنمية لإفشال العرس...لشهرين متتاليين -هما مدة التحضير للزفاف- لم تكف عن نشر الأكاذيب حول صديقتها في كل مكان...حاولت الإيقاع بين صديقتها وبين كل من تعرف...وفي النهاية...فشلت خطتها الجهنمية...وتزوجت الصديقة...وصارت هي أكثر وحدة

أفزعتها في الصباح التالي صورة صديقتها الملتقطة للتو...بنفس الابتسامة اللعينة! كيف تغلبت على مصيرها! كيف هربت من الوحدة! تعالى في رأسها الطنين القادم من الثقب الأسود...أخذ يعلو ولم تستطع اسكاته بالطرق على رأسها...لم تستطع الفرار منه...حتى أدركت في النهاية أنه لا سبيل للخلاص منه سوى بالخلاص من حياتها