5 Aug 2012

قلب معلق بكفوف تلوح بالوداع

أما آن لذلك الكف أن يستريح! فقد ضاق قلبي ذرعا بعناقات ما قبل الرحيل وتلويحات الوداع!

يتعجبون من نحول جسدي وشحوب وجهي وانحنائة كست ظهري...ألم تعلموا أن الفراق يولد حسرة...وكسرة...ويدفن حزنا في مآقي العيون! كم أكره تلك المسافات اللتي تفصلني عن وجوه آنست إليها وأذرع لم اتكيء يوما إلا عليها وأفئدة اتخذت منها يوما مستقر وعيون لا أذكرها إلا بخير..ودمع..وشوق لا ينتهي. بالفراق قد ضاقت دنياي واتسعت زوايا الكون اللتي لا أدركها بنظري المجرد. كم أكره الخرائط والمسافات والحدود وأوراق يملأها الأحبة فيختفوا. فصرت أكره الطائرات والبحار وأطراف الكون اللتي تخفِ عني رفاق الدرب

ويسألونك عن المسافات قل هي أشياء أقطعها كل يوم بلا كلل إلى قدمي من أأتنس بحضوره..حتى إذا فاقت المسافة قدرتي على الهرولة صارت لعناتي عليها تسابيح وردي المقدّس..أما عن الحزن يا رفاق أخبركم أنه لم يعد مقدس..فقد ابتذلته الوداعات حتى أصبح أرخص من أن ينثر تحت أقدام الراحلين...وعندما فقد الحزن معناه...ذبح الكلمات ثم انتحر على بلاط صالات الوداع في المطارات الباردة

أما الرحيل...فهو عادة القلوب الطيبة..وكما أخبرنا الأولون: إن الله إذا اراد نزع خصلة قبض أرواح حامليها...ولأن بلدي ملعونه..فالله ينزع منها الطيبة بإخراج قلوب حامليها من بين ظهرانينا لتسكن بلاد أقل قسوة..وأظل انا هنا في تلك البلدة القاسي أهلها كمعبر للأفئدة الطيبة..تمر عليّ لتسكن قليلا ثم تحمل حقائبها وتنصرف..حاملة معها قطعة من قلبي..دمعة من عيني..وذكرى طيبة تأنس إليها كلما وخزها الحنين.  وأنا..هنا..وحدي..لايؤنسني شيء سوى ارتعادة أطرافي من فرط البرودة اللتي خلفها رحيل أحدهم

لا أعلم كيف احتمل قلبي الحياة بين وداع وآخر...لكنني أشعر به مازال ينبض...صحيح أن النبض خافت والعروق باهتة...لكن الذكرى واضحة جلية كشمس منتصف الظهر..ربما ما أبقى عليه سوى الأمل بلقاء قد لا يجيء أبدا..أو ربما الاحتراق الناتج عن تمزقه من فرط الغضب...لكن على الأرجح أن ما يبقيه حيا تلك اللعنة اللتي القاها عليّ كائن مجهول...لعنة تجعل قلبي معلق في كفوف العابرين يرسمون به الحزن خطوط على جبيني المهتريء

لو أنني فقط كف لكنت لملمتهم من أطراف الدنيا وظللت عليهم ووهبتهم باطني مسكن وجعلت لهم من قلبي مأكل...ولكنني فقط عابرة سبيل...قلب معلق بكفوف تلوح بالوداع...جسد نحيل يهرول بين الفراق واللقاء ككلب حيران أبله يلهث خلف المستحيل ولا يتعلم درسه أبدا

4 comments:

Räumung Wien said...



مدونة مميزة
كل تقدير واحترامى لكم ... :)

Anonymous said...

الله يا امينه .... انا تعبان جدا لكن لم استطيع المغادره بدون كلمة اعجاب و تقدير لكتابتك و اسلوبك و مخزون مفرداتك ... و ده شىء بصعوبة رصدته من خلال تغريداتك اقول بصعوبه لاني اعتقد انك على تويتر تحاولي اخفاء جزء كبير من نفسك ...... ً:) مش عايز افتى بس بجد امتعتنى قراءة كلماتك .... شكرا .... ياسر بدران

AZ said...

شكرا :)

علاج الترامادول said...

ما اجمل حروفك الذهبيه حين تكتب
بقلم شغله الشاغل هو الابداع
وما أروعها حين ينبض قلمك بأرقى المعانى
دمت ودام عطاءك ورقى ما تقدم
لك تحياتى