20 Apr 2012

الفلسطينيون خونة وأمك اسمها حنفي

عندما كنت أصغر سنا وأقل خبرة كنت أجادل لساعات طوال مع من يخبرني بجملة خبرية تقرر واقعا لا يعد كونه هلاوس لا أدر على وجه التحديد من أين أتى بها...وفي الأغلب هو الآخر لا يعلم المصدر: الفلسطينيين دول خونه....باعو ارضهم...اعدت أن آتي القائل بحجج من التاريخ والعقل والمنطق وحلقات برنامج ال بي بي سي: خمسون عاما من الصراع العربي الفلسطيني...فلا يفيد أي منهم مع قائل العبارة أيا كان مدى علمه وفهمه وثقافته

أما اليوم وقد تعدى عمري الثلاثين فإني ألتزم الصمت....وأبتسم في خيالي متذكرة جدالي الطويل مع أكبر أخوالي عندما كان يصفعني بجملة خبرية تقرر واقعا لا يعد كونه دعابة آخذها بجدية شديدة: أمك اسمها حنفي...كنت أجادله بكل حجة ومنطق يفوق ما تمتلكه طفلة لا تتعدى سنوات عمرها أصابع الكف الواحدة...واستشهد ببيانات البطاقه وشهادة المولد وصور أمي في طفولتها واستنجد بجدي...فيضحك ويخبرني: أنا أخوها الكبير وعارفها من قبلك وبقولك امك اسمها حنفي...فألجأ في النهاية إلى أمي وأخبرها بكل غضب: خالو إيهاب بيقول إن اسمك حنفي...فتبتسم أمي وتقول بهدوء: وإيه يعني

من يؤمن أن الفلسطينيين الذين يقتلون اليوم ويعانون أقسى أنواع القهر والظلم والحرمان يستحقون ما يلاقونه بزعم أن جدهم التاسع عشر خائن باع أرضه للإسرائيليين التي لم تكن موجودة في هذا الوقت فهو بكل تأكيد يؤمن أن أمه اسمها حنفي....ولكنه على الأرجح لم تصله هذه المعلومة بعد

إذا كنت تقرأ وينطبق عليك القول فلا تكمل قراءة فالكلمات القادمة لا تعنيك ولن تهمك بأية حال فوفر سعراتك الحرارية وأنصرف لعمل شيء أفضل كتنظيف أنفك مما علق بها من تراب الخماسين وعادم السيارات

---------------------
وإذا كنت بقي مش من الناس دي فاقلع جزمتك وربع جنبي هنا عالحصيرة عشان عايزة أحكيلك حبة حكايات كده عن تاريخي الصغنن مع فلسطين والفلسطينيين
وأنا صغيره ولسه بستكشف الدنيا...عرفت ان في حاجة اسمها عالم...ومتقسم لبلاد...والبلاد دي عايش فيها ناس مش كلهم بيتكلموا زينا كده...وإني عايشه في بلد من دول اسمها مصر وبتكلم عربي وفي اختراع عندنا اسمه الللهجة المصري...سمعت كلام كده عن بلد اسمها فلسطين بتتخانق مع ناس مفتريين اسمهم الإسرائيليين...وان العالم ده فيه بلاد مفتريه زي أمريكا كده بتساعد الإسرائيليين دول عشان يفضلوا قاعدين فوق نفس الفلسطينيين دول ويقعدوا يموتوا فيهم يمكن يخلصوا أو يطفشوا ويروحوا حتت تانيه...كان نشرات الأخبار لازم يكون فيها كلام عن الإسرائيليين اللي بيموتوا الفلسطينيين أو بيطردوهم من بيوتهم...وحاجة كده اسمها اطفال الحجارة...وحاجة اسمها الانتفاضة...وواحد من فلسطين اسمه ياسر عرفات وواحد تاني اسمه مروان البرغوتي واقفين في لوز الإسرائيليين دول

مكنتش فاهمه يعني إيه انتفاضه...ولا يعني إيه اطفال حجارة! إنو ازاي في اطفال زيي كده بس حجارة؟! فبابايا قعد يشرحلي إنهم مش مخلوقين حجارة...بس هم عشان مابيعرفوش يعملوا حاجة للإسرائيليين اللي بيموتوهم ويطردوهم من بيوتهم عشان يبنوا بيوت لعيالهم غير إنهم يحدفوهم بالحجارة فسموهم أطفال الحجارة...فأخدني فضول كده أعرف بقى أطفال الحجارة دول...يعني هم بيلعبوا بلعب زي بتاعتي؟ طيب بياكلوا ويشربوا زيي؟ بيجيبوا هدوم في العيد زيي؟ عندهم أتاري زيي؟ طب وباباهم ومامتهم بيحدفوا حجارة زيهم ولا بيشتغلوا زي بابايا ومامتي؟ وهم بقى بيروحوا المدرسة وبياخدوا عربي وحساب ورسم ودين وموسيقى زيي؟ واحنا ليه ماعندناش أطفال حجارة؟ وانا ليه مش من أطفال الحجارة؟ طب بابا وهو صغير كان أطفال حجارة؟
 
أغلب إجابات بابا على الأسئلة دي بإنه مش عارف بس في الأغلب لأ لأن ظروفهم صعبة وأهاليهم مش بيعرفوا يجيبولهم الحاجات اللي عندي عشان برده ظروفهم صعبة...بس مافهمتش ليه ماحدش بينقذهم...ولا فهمت يعني إيه العرب ولاد وسخة عشان مش بينقذوا أطفال الحجارة...ولا ليه العالم الغربي ابن كلب وعايز يتخلص منهم...كل اللي فهمته ساعتها إن العيال دي من سني ومش عارفه تعيش زي مانا عايشه...ومش كلهم عندهم بابا وماما عشان اتقتلوا أو اتحبسوا...وإن فلسطين دي بتاعتنا...وإن في جامع بتاعنا هناك الإسرائيليين عايزين يهدوه...وإن في يوم من الأيام ماحدش عارف هو امتى هنعرف ننقذ الناس اللي عايشه هناك دي كلها ونصلي في الجامع بتاعنا اللي كنا بنصلي ناحيته قبل ما ربنا يقولنا نصلي ناحية الكعبة

مامتي بقي فهمتني إن مروان البرغوتي ده راجل كويس...وبيقاوم الإسرائيليين وإن هم عايزين يحبسوه عشان هم مش عايزين حد يقاومهم...بس مافهمتش ليه بقي مروان البرغوتي ده مش بيطلع في التليفيزيون زي ياسر عرفات...وقالتلي كمان ان ليه واحد قريبه اسمه مريد البرغوتي متجوز واحده مصريه...بس مافهمتش ليه مريد البرغوتي ده بيكتب شعر ومش بيقاوم زي مروان وبيقتل الإسرائيليين وليه ماراحش ينقذ مروان لما الإسرائيليين حبسوه

فكانت النتيجة اني حبيت فلسطين..وأطفال الحجارة...والانتفاضه...والرسمه بتاعة حنظلة (ماكنتش اعرف اسمه وقتها بس عرفت ان دي رسمه واحد اسمه ناجي العلي بيتريق على الإسرائيليين في الجرايد)...ومروان البرغوتي...وكرهت مريد البرغوتي عشان مش بينقذ مروان...وطبعا مافيش داعي أقولكوا إني كرهت إسرائيل كراهية الكون كله!

لما كبرت شويه..وعرفت شويه كمان...فهمت يعني إيه أمريكا بنت كلب....وليه بتساعد اسرائيل...وفهمت كمان يعني إيه العرب ولاد وسخة ساكتين لأمريكا واسرائيل...وفهمت كمان ان في فلسطينيين انطردوا من بيوتهم ومن فلسطين كلها ومش عارفين يرجعوا هناك تاني وعايشين في البلاد التانيه ضيوف...فبقيت أحاول اصرف مصروفي في الصيف من عند عم برهومه مش من عند عم محمد الفلاح عشان عم برهومة فلسطيني ومش عارف يروح بلدهم وإني كده بعمل حاجة كويسه لفلسطين...بس ماكنتش فاهمه ليه عم برهومة مش بيبتسم أبدا...العيال مكانوش بيحبوا يشتروا من عنده عشان بيزعقلهم ودايما مكشر...فبابا قالي انه أكيد بيزعقلهم عشان بيقلبوله المحل الصغير بتاعه...فروحت قولتله اني عايزه اصرف مصروفي من عنده عشان هو فلسطيني وأنا حب الفلسطينيين واني مش هنكشله التلاجه عشان آخد لوليتا بالفراوله أو علبة آيس كريم بالشيكولاته والفانيليا...تقريبا دي كانت أول وآخر مره أشوف عم برهومة بيضحك بصوت عالي

في العماره اللي بين المحل الصغير بتاع عم برهومه والمحل الصغير بتاع الساعاتي اللي بابايا كان بيصلح عنده الساعات اكتشفت بنت من سني وبتعمل زعرورتين زيي وبتلعب في الشارع بس مش كل يوم...فاتفقت معاها تلعب معانا...ولما مامتها سألتني انا مين قولتلها اسمي واسم بابايا وقولتلها ان عمو الساعاتي عارف بابا وعم برهومه كمان عارف بابا...سألت الساعاتي فقالها إنه يعرف بابا وإنها ماتخافش عليها وهو عارفنا كلنا وورالها العمارتين اللي انا والبنات اللي بيلعبوا معايا ساكنين فيهم...فبقت تسيبها تلعب معانا من وقت للتاني....كان اسمها هدير...بس مكانتش بتتكلم عامي زينا كده...كان عندها كلام غريب شويه...فلما سألتها هي بتتكلم كده ليه قالتلي انها فلسطينيه وإن الفلسطينيين بيتكلموا كده وإن ده عربي برده بس بيتنطق بالفلسطيني مش بالمصري...ولما سألتها اذا كانت راحت فلسطين...قالتلي انها بتروح كل سنه مع أهلها بس بقالهم كذا سنه مش بيعرفوا يروحوا عشان آخر مره راحوا الإسرائيليين ضايقوهم وهجموا على بيتهم بالليل صحوهم من النوم عشان يشوفوا "هويتهاهم"...وقالتلي ان هوياتهم دي اللي هي زي البطاقه عندنا كده بس هم هناك يقولوا عليه هويه...وقالتلي انهم ماضربوهمش بس هم بيتفزعوا لما بيهجموا عليهم كده...بس أنا وهي ماكناش فاهمين هم بيهجموا علهيم ليه ويقولولهم ورونا هوياتكم

في الفتره دي برده كان في عيله فلسطينيه بتيجي تقضي الصيف عندنا في شقه بتاعتهم في الناصيه اللي بعدينا...كانوا ولدين وبنت صغيره...أصغر مني..والولدين الكبار من سن إخواتي...مكانوش بيتكلموا كتير...وبرده مكانوش بيبتسموا...الولد الكبير كان رفيع واسمر ودايما مكشر وشكله متضايق...الأصغر منه كان ابيضاني واسمه هادي وكان طيب وبيتكلم أكتر من أخوه الكبير...البنت الصغيره كانت دايما خايفه وعايزه تروح لمامتها بس بعد شويه اتعودت علينا عشان احنا كنا بنحبها وبنحب نلعب معاها

وفي يوم وانا بلعب في الشارع...أخويا الكبير ندهلي...وقالي ان بابا مش راضي يخليه هو وأخويا ياخدوا هادي وأخوه وبقية صحابهم يلعبوا بالأتاري غير لما أنا أوافق عشان مايبقوش هم لعبوا بالأتاري أكتر مني...فانا رفضت إلا إذا انا كمان لعبت معاهم...اشمعنى هم يلعبوا بالأتاري وانا لأ! فقالي ان هادي وأخوه ماعندهمش اتاري في فلسطين وماشافوهاش قبل كده...فانا وافقت بشرط إن إخواتي مايلعبوش...هادي وأخوه بس عشان هم فلسطينيين يلعبوا...فطلعوا كلهم...بعدين أنا كنت طالعه اشرب ميه واتطمن ان هادي وأخوه مبسوطين بالأتاري...لقيت أخويا الكبير بيلعب بالأتاري...فاتفلقت من العياط...وبابا قالي مكانش يصح  يبقى في ضيوف عندنا واخواتي يسيبوهم يلعبوا لوحدهم...وعملي تعويض العب بالأتاري شويه اكتر من اخواتي بالليل :D

ولما كنت أسأل أخويا الكبير هو أخو هادي مش بيبتسم ولا بيتكلم ليه...فقالي ان هو بيشوف الحاجات اللي بنشوفها في النشره دي عندهم مش في النشره... بس مارضيش يقولي إذا كان من أطفال الحجارة ولا لأ..وفي سنه جه الصيف...واستنينا هادي وأهله ييجوا من فلسطين زي كل سنه يقضوا الصيف معانا...ماجوش...وماجوش تاني بعدها أبدا...ولما سألت أخويا الكبير إذا كانوا ماتوا...قالي ما يعرفش...ولغاية النهاردة مانعرفش

لما دخلت إعدادي...هدير مجاتش معايا في المدرسة...قابلتها مره وانا مروحه من درس...فقالتلي انها في مدرسة تجريبي وان المدرسه دي غاليه...وانها ما ينفعش تدخل مدرسه حكومة زيي عشان هي فلسطينية وأنا مصرية...ولما اتناقشت مع بابا...وصلنا لإن عندنا حكومة بنت كلب...مش بتعمل اي استثناء للفلسطينيين اللي عايشين هنا...ولا بتساعد الفلسطينيين اللي في فلسطين...بس مافهمتش ليه احنا مش عارفين نقول للحكومة تدخلهم مدارس حكومة زينا...ولا فهمت ليه مصر مش بتساعدهم يرجعوا بلدهم بدل ماهم عايشين متبهدلين كده...بعدها بفتره...هدير جت تسلم عليا وانا بلعب في الشارع...وقالتلي انها راجعه فلسطين...ومكانتش عارفه إذا كانت هترجع تاني مصر ولا لأ....وسافرت هدير...ومارجعتش تاني


وأديني أهه...بقى عندي ٣١ سنه...ولسه بحب فلسطين..وبكره إسرائيل...وماعرفش إيه مصير هدير...وهادي وأهله...بس دلوقت بقيت عارفه ان هادي وأهله غزاويه...وهدير من القدس...وليه عم برهومه مكانش بيبتسم...ولسه نفسي أروح أنقذ مروان البرغوتي من الحبس...ونقاوم سوى الإسرائيليين...والإسرائيليين يعوروني...يقوم هو يحبني ويتجوزني...وأروح أضرب افيخاي أدرعي بالشبشب الزنوبه لحد ما يموت
..بس مابقيتش شايفه ان مريد بالرغوتي ناقص عشان مش بينقذ مروان من الحبس...طلع هو أصلا مش عارف يرجع بلدهم وعايش عندنا ضيف (كسفة في وشنا من حكومتنا العره)...واللي بيقولي الفلسطينيين خونه مش بتناقش معاه عشان أمه اسمها حنفي

8 comments:

تناقضات غربة said...

وانا اقرأ التدوينة ..راودني أحساس بأنك لا زلت في العاشرة!

سلم قلمك :)

Unknown said...

كلمتين وبس...لك تحياتي..!!!!

sunny said...

hi great blog and it's the change to other tell me the some blog tips i'm new and check out my blog and plz tell me

memo said...

الحقيقه لما نشوفها ونسمعها واحنا بعيد غير لما نعيش جواها وانا قاعد فى مكتبى فى التكييف فى مصر كنت دايما بسال نفسى ايه لازمه الى احنا بنعمله وليه مستحملين دول ودول مع ان الكلاب بتنبح وصوتها بيتسمع

Bassem said...

الله عليكي ،، وسلمت أفكارك ويداك

Bassem said...

الله عليكي ،، وسلمت أفكارك ويداك

Unknown said...

جميل جدا ..

(فلسطيني والام مصرية)

فكريني في يوم أكتب معنى التعريف ده بالتحديد في جمهورية مبارك التي دامت 30 عاما ولا تزال تقاوم نهايتها

Unknown said...

مرحبا .. أنا فلسطيني وأمي مصريه .. عشت بمصر ١٥ سنه من مرحلة اعدادي لبعد الجامعه بكام سنه .. الحكي إللي حكيتيه بكل تفاصيله وبساطته الرائعه كان جزء من حياتي اليوميه .. كتيييير انسبيت وشتموني واستفزوني وطردوني ناس لأني "فلسطيني ندل بعت ارضي" خاصه إن والدي ووالدتي ماكانو معي وكنا أنا وخواتي نوعا ما ملطشة للجميع .. المهم .. أنا حاليا عمري ٤٠ سنه وتركت مصر من أكتر من ١٢ سنه .. ورغم إني مشتاق للأماكن ولكن يستحيل أن أعود فذكراتي هناك أكثر من مؤلمه .. ولكني صدقا شعيد جدا أنني لأول مره في حياتي أسمع أو في حالتنا هنا أقرأ عن مصري أو مصريه لا يتهمنا بأننا (فلسطينيين أندال يعنا ارضنا).... احيك من قلبي