3 May 2006

حبة قمح

منذ اعوام طويلة وهى صامتة... لا تكلم احدا، ولا احد يعبأ بصمتها.. ليست بخرساء، لكنها فقط توقفت عن الكلام لسبب لا احد يعرفه ولم يرغب احد فى ان يعرفه، فهى لم تكن تتفوه باى شىء ذى اهمية او قمية.. بل ربما ان البعض قد وجدوا فى صمتها راحة.. وفى اعتزالها للحياة راحة، وفى تحديقها فى المرآة لأيام طوال جنونا...
-------------------------------------
اخبرتها امها قبل ان تموت ان بين شفتيها ترقد حبة قمح، واخبرتها الا تسمح لأحد بالتقاطها من بين شفتيها، وأخبرتها ان تتركها حتى تعطيها لزوجها هدية فى ليلة الزفاف... ماتت امها فى الصباح التالى... ومنذ ذلك الحين وهى صامتة.. تحدق فى المرآة، تراقب حبة القمح التى لا تراها..ومنذ ذلك اليوم وهى تخشى الطيور.. لم تتمكن ابدا من ان تسأل احدهم ان كان يرى حبة القمح.. ولا ان تسأل من اين أتت حبة القمح...ولا ان تخبر مصطفى بن الحاج على الذى يسكن فى العمارة المقابلة انها تحبه....
-------------------------------------
فى يوم زفاف مصطفى قررت ان تتخلص من حبة القمح لكى تنتقم منه.. خرجت من منزلها نحو الخامسة.. لم تكن ترى طوال الطريق اية شىء سوى مصطفى بن الحاج على وهو يلتقط حبة القمح من بين شفتى سناء جارتهم فى الشقة المقابلة، ودموعها... التى حجبت عنها رؤية البشر الملتصقين بها فى الاتوبيس... لم تكفكف دمعها لأنها لم تكن تشعر بدموعها المتساقطة على خديها.. ولم يلحظ الواقفون الى جوارها ايضا....
-------------------------------------
لا تذكر اين هبطت من الأتوبيس ولا كم من الوقت مشت.. استفاقت من بين افكارها لتجد نفسها فوق كوبرى قصر النيل.. واحدهم يجلس على السور.. قررت ان تتخلص من حبة القمح فهى تريد ان تخبر مصطفى ولو لمرة واحده انها تحبه... تتقدم نحو الجالس فوق سور الكوبرى بخطوات بطيئة.. لا تعلم من اين تبدأ الحديث.. اتخبره عن مصطفى الذى تحبه ام عن وصية ماقبل الوفاة بالحفاظ على الحبة.. تلك الحبة التى تنبت فى شفتيها كلما القتها على الارض.. تتساقط دوعها من جديد فتلسعها بقسوة هذه المرة.. تنزع حبة القمح من بين شفتيها بقسوة مماثلة.. تضعها فى كف الجالس على سور الكوبرى والذى ينظر الى الفتاة الباكية الواقفة امامه بمنتهى الدهشة.. يطيل النظر الى كفه الفارغ والى عينيها الباكيتين فلا يفهم شىء.. قبل ان يسألها.. تكون قد اطبقت كفه على الحبة ورفعت ساقيه لاعلى.. تتقدم خطوتين الى الامام لتطمئن أن الحبة قد استقرت فى باطن النيل وانها لن تعاود القفز الى شفتها مرة اخرى...

No comments: