وحدك تجلس في هدوء لتعيد تنظيم حياتك...تقرأ حرفك فلا تجدك بين سطورك...اليوم انت انسان جديد...جديد تماما...لا تجد لنفسك صلة بينك وبين ماكنت عليه يوما...والأسوأ أنّك لا تميز على الإطلاق كيف أصبحت الآن...يتملكك الفزع...ترتبك تماما...تسقط في النوم لساعات طويلة...تستيقظ بجسد مهدّم كأنّك استهلكت في صراعات مع أحلامك التي لا تتذكرها على غير العادة
ترقد في فراشك لساعات تتأمل أطرافك وهي تتجمّد...وعظامك وهي تتحطّم...وظهر المكسور من منتصفه تماما يؤلمك...فتدرك أن ثمّة لعنة ما تأكلك تماما...تقض مضجعك وتفتّ عظامك كل ليلة...تهرع إلى الأصدقاء لعلّك تعرف من أنت اليوم...فلا تدرك نفسك ولكنك تدرك لعنتك! هي! تلك القطّه المقروحة التي انقذتها يوما من ركلات العابرين فلما اشتد عودها خَمَشَت وجهك ورحلت! بلا سبب تدركه ولا ذنب جنيته!
تعود لك ذاكرتك...حرفك...تكتب...عنها...وعنك...وعن المحبّة التي صارت لعنة...والصديقة التي صارت عدوّة..والغدر...والخيانة...والحقارة التي لم تدركها...اليوم فقط تدرك لماذا يكسو وجهك التقزز كلما مر على خاطرك اسمها...ولماذا يكسو السواد المشهد كلما تعثّرت فيها صدفة في مكان ما...ولماذا صرت تخشى نفسك...فأنت يوما قد كنت أكثر سذاجة مما تعلم فسسقطت في فخ العطف عليها...لم تدرك ان خلف هذه الندوب التي تكسوها يسكن قيح لا ينتهي...قيح ستكسوك به يوما بعد أن تظن أنّها برأت وتعافت...هي التي لا تتعافى أبدا...ولكنك لم تدرك...انت تخجل اليوم من نفسك...نفسك التي كانت يوما طيّبه...وماعدت الآن تراها ولا تعلم كيف أصبحت...
اليوم...واليوم فقط...تدرك أنّك يجب أن تكتب...عنها...كيف كنت تراها...وكيف أدركت أنّها ليست إلّا جيفة تنتظر موعدها مع دود الأرض ماكان لك أن تعاشرها يوما...فالجيف لا يجب لها أن تخالط الأحياء...تكتب عنها الكثير...حتى تتطهّر تماما من القيح الذي كستك به وأصاب حياتك بالعفن